القاهرة الفاطمية من هنا مر التاريخ فحفظه الحجر وسطّره الأدب

⏮خان الخليلى بعيون المستشرقين.. حكاوى ألف ليلة وليلة

مغامرات أصحاب الأسواق والحوانيت وقصص الوزراء والنساء وحكاوى الجن والعفاريت، منظور اقتصرت عليه قصص المستشرقين عن خان الخليلى، هو شارع مواز لشارع المعز يحتوى على عشرات الدكاكين والأسواق ويقع به مسجدان من أهم مساجد مصر، الأزهر الشريف ومسجد الحسين.

يعود سبب تسمية الشارع نسبة إلى السلطان جاهركس الخليلى، أحد سلاطين المماليك الجراكسة، والذى أسسه منذ ما يزيد على 620 عامًا على أنقاض مقابر الخلفاء الفاطميين فى مصر والتى عرفت باسم «تربة الزعفران»، وذلك لأنه اعتبرهم كفارًا لاتّباعهم المذهب الشيعى.

وفى سنة 1511، هدم السلطان الغورى خان الخليلى وأنشأ مكانه حوانيت، ثم هدمت هذه الحوانيت وأعيد بناء الخان بعد ذلك، واشتهر بالحرف التراثية والحلى والتمائم الفرعونية والمصنوعات الزجاجية والجلدية والنحاسية كسيوف وخوذات على الطراز التاريخى وأشياء أخرى كثيرة وللشارع قيمة سياحية كبيرة، فهو مزار سياحى مشهور يتجه إليه الغرب خصيصًا لشراء الهدايا التذكارية.

وارتبط خان الخليلى عند الغرب بقصص ألف ليلة وليلة التى تعد عصارة الحكاوى الشعبية المستخلصة من الحضارة الفارسية والعربية والهندية والمصرية وبلاد الرافدين فى ظل العصور الوسطى، والتى ترجمت لعدة لغات على أيدى المستشرقين وبالرغم من اشتهار الكتاب حول العالم وتحويله إلى أعمال فنية فى الموسيقى والفن التجريدى والسينما والأدب إلا أنه لا يعكس حقيقة تلك الشعوب وحضارتهم الأوسع بكثير من مجرد حكاوى شعبية وخاصة خان الخليلى الذى بالرغم من ذكره فى هذه القصص وشهرته عند الغرب إلا أن قيمته الحقيقية تكمن فى تاريخه والأعمال الفنية التى بيعت به ومازالت تنتج وتباع وتعكس الحس الفنى فى بضائعه إلى يومنا هذا.

إدوارد سعيد، الباحث الفلسطينى الذى وضع نظرية «الاستشراق» والذى انتقد بشدة المستشرقين ونظرتهم عن الشرق، يرى أن نظرة الغربيين هى نظرة فوقية للشرق، حيث يعتبرون أنفسهم القوم الأبيض المتحضر الذى يدرس حياة الشرقيين البربر المتوحشين ويرى أن السبب وراء ذلك يعود إلى حرب الروم والفرس منذ قرون مضت، ومنذ هذا الوقت مثل الروم الغرب ومثل الفرس الشرق.

وينتقد تمثيل المستشرقين للشرق فى شعرهم

ولوحاتهم بصورة سطحية مليئة بالقصص الخيالية والسحر والشعوذة ويرى أن لذلك سببًا سياسيًا، وهو احتلال هذه الشعوب فكريًا تحت ستار إنقاذهم من الجهل والتخاريف.

مرّ التاريخ عبر خان الخليلى فى كل دكان وحارة وزاوية، كل قطعة به لها قصة وأصل، خان الخليلى أشبه بمؤرخ التاريخ الذى يقص على المارة تاريخه من خلال جميع تفاصيله التى لها قيمة أكبر بكثير من مجرد حكاوى فى قصص.

■ ■ فنادق خان الخليلى عرفت الفنادق فى مصر منذ العصر الطولونى وكلمة فندق، هى كلمة فارسية الأصل ومن أشهر فنادق خان الخليلى هو فندق باب التفاح الذى بناه المنسوب إلى الأمير طقو ذمر، الذى بناه عام 1339، ويقع تجاه باب زويلة وتباع فيه مختلف أصناف الفاكهة.

وتمتع الخان بمكانة تجارية لم يكن لها مثيل فى كل أسواق مصر، حيث كان يحتوى على مختلف البضائع من أوروبا وآسيا وإفريقيا التى لا نظير لها فى مصر، ولذلك ارتفعت قيمته الشرائية، حيث وصل سعر خلو الدكان الواحد إلى 40 دينار ذهب.

ويعتبر خان الخليلى انعكاسًا لحضارة الإسلام فى التجارة، حيث ارتكز نظام التجارة به على عدد من الأنظمة التجارية التى أرستها قواعد الشريعة الإسلامية، مثل بيع المرابحة وبيع الوفاء وبيع العربون وبيع الآلة وبيع السلم، وكانت الأقمشة التى تباع فى خان الخليلى من أجود أنواع القماش، وكان منها قماش الستائر التى تجلب من بلاد فارس والهند. والحرير القادم من فرنسا وإنجلترا وأقمشة الكتان الذى كان يستخدمها الأتراك فى العمم والشيلان التى تصنع فى الفيوم.

ثقافة ليلة الحنة اشتهرت عند المصريين عن طريق الخان، حيث كان التجار الأتراك يبيعون به مادة الحنة باللونين الأصفر والأحمر، وازدهرت هذه التجارة به لدرجة

أن الإدارة العثمانية طرحت وكالة الحنة ضمن المقاطعات الحضرية التى تتيح للملتزم الذى تقع فى حوزته هذه المنطقة فرض رسوم على تجار الحنة، واعتادت النساء التركيات شراء الحنة لتزيين أيديهم ثم ارتبطت فى الثقافة المصرية بحفلات الزواج ومن هنا جاءت ليلة الحنة.

كما اشتهر أيضا ببيع المنتجات النحاسية والبن والبسط والخيش، ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا ظلت مكانة خان الخليلى مرتفعة ومازال يقصده السياح لشراء أفضل المنتجات.