Al Masry Al Youm

المضارع المستمر.. إلى الأبد!

أسامة غريب

فى نفس الفترة التى ظهر فيها الأديب يوسف إدريس )أوائل الخمسينيات( ظهر الأديب مصطفى محمود، وكلاهما طبيب يكتب القصة القصيرة والمسرحية ويحلم بالذيوع والانتشار وملء مكان شاغر فى الإبداع العربى يتضمن خبرات الأطباء ممزوجة بالحس الأدبى. ما حدث بعد ذلك أن يوسف إدريس قدّم ما استحق عليه إعجاب القراء وثناء النقاد، ففرض نفسه على الساحة الأدبية بتفرد ما يكتبه وصدقه وأصالته. أما مصطفى محمود فلم تحظَ أعماله الأدبية بكبير تقدير، فلم يكن بها من وهج الأدب ما يلهم القراء أو يحفز النقاد على الإشادة بها أو ترشيحها للقراء.. أما الشهرة المدوية التى حظى بها بعد ذلك، والممتدة حتى الآن، فهى شهرته كداعية وليس كأديب. إذن خذل الأدب مصطفى محمود وخذل هو نفسه الأدب، فكلاهما ليس بهما الكثير من المشتركات التى يضيفانها لبعضهما البعض. وفى إطار نفس المعنى نقول إنه يمكنك أن تضع يوسف إدريس فى مقارنة مع نجيب محفوظ ومع يحيى حقى وتوفيق الحكيم وطه حسين، أما مصطفى محمود فيمكنك أن تضعه فى سياق واحد مع الشيخ الشعراوى والشيخ الحوينى وابن عثيمين وابن باز. ولعل هذا ما لم يرده مصطفى محمود عندما ولج دنيا الأدب فى شبابه المبكر، لكن يبدو أن هذه كانت السكة المتاحة لنَيْل الشهرة وحب الناس، والتى بدأت مع كتابة أعمال غير أدبية على غرار «رحلتى من الشك للإيمان» و«حوار مع صديقى الملحد» وبقية الأعمال التى استقبلتها الجماهير بشوق عارم وحفاوة بالغة.

ولعل هذا المثال يوضح محنة الأدب فى بلادنا، إذ يمكنك بعد أن تخفق فى دنيا الأدب أن تتحول إلى داعية فتعوض ما ضاع منك وتعثر على مفتاح جديد للشهرة والمال والمكانة. كذلك يمكن فى بلادنا لصاحب أى مهنة أن يتوجه بعد أن تنكره مهنته إلى طريق الدعوة، فيطلق اللحية، ويهجر عمله السابق سواء كان النجارة أو السباكة أو التدريس بالجامعة أو العزف على الكمان أو لعب كرة القدم ويتحول إلى رجل مبروك شديد الثراء. وفى نفس السياق يمكن للطبيب النفسى الذى تخلو عيادته من المرضى أن يتحول إلى العلاج بالرقية الشرعية، وعندها سوف يتكدس المرضى على باب العيادة وعلى سلم العمارة، وسوف يتوسع فى عمله فيفتح عيادة فى التجمع ومستشفى فى الشيخ زايد ليواجه الطلب الشديد على علاجه الذى يقبل عليه الجمهور.

فى ظل ظروف كهذه ومناخ كهذا لن تعثر على حركة أدبية تحمل ثقة بالنفس وبجمهور القراء مادام نفس هؤلاء القراء قد يهجرون الأديب بقسوة إذا لاح لهم طرف جلباب رجل بلحية يحوقل ويبسمل ويطلق البخور، وفى ظل نفس المناخ لن تجد نجارًا يميز بين أنواع الخشب كما لن تجد سباكًا يفهم فى السباكة أو حلاقًا يجيد مهنته.. وكيف تأتى الإجادة أو تتعمق الأصالة أو تتجذر المعانى إذا كان الحل لكل مَن ضاع منه الطريق وأفلتت منه مفردات المهنة أن يتحول إلى داعية أو راقٍ شرعى؟.

قbايا سا نة

ar-eg

2023-02-04T08:00:00.0000000Z

2023-02-04T08:00:00.0000000Z

https://almasryalyoum.pressreader.com/article/281552295007934

Al Masry Al Youm