Al Masry Al Youm

العلم المفتوح وديمقراطية العلم ومبادرة هيليوس الأمريكية!

* د.حامد عبد الرحيم عيد يكتب: ‪Profhamedead@ gmail. com‬

فى مقالى السابق ب«المصرى اليوم» بعنوان «العلم المفتوح وتسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة!» تحدثت فيه عن أن العلم المفتوح فى حد ذاته لن يحل قضايا مثل تغير المناخ أو الفقر أو عدم المساواة بين الجنسين، ولكنه سيجعل من السهل الوصول إلى الفهم الجماعى للمشكلة وتسهيل تطوير الحلول لها، فهو العمود الفقرى للعلم، وأننا اليوم بحاجة إلى تركيز الأصوات التى نريد تضمينها لتحقيق العدالة الحقيقية فى فضاء المعرفة المفتوح.

فى مقال اليوم سنركز حديثنا حول مفهومين يسودان العالم اليوم وهما: «العلم المفتوح» و«ديمقراطية العلم» فهما مفهومان مترابطان يعملان على تغيير طريقة إجراء البحث العلمى ومشاركته. حيث يشير «العلم المفتوح» إلى الحركة نحو جعل البحث العلمى والبيانات أكثر سهولة وشفافية وتعاونًا، كما يشمل إتاحة المقالات البحثية والبيانات مجانًا للجمهور، باستخدام برامج وأدوات مفتوحة المصدر، وتعزيز التواصل المفتوح والتعاون بين الباحثين. من ناحية أخرى، تشير «ديمقراطية العلم» إلى فكرة أن البحث العلمى يجب أن يكون متاحًا للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم أو انتمائهم ولا ينبغى أن يقتصر على مجموعة صغيرة من نخبة الباحثين أو المؤسسات، بل يجب أن يكون مفتوحًا لجميع المهتمين بالمساهمة فى تقدم المعرفة. يعمل العلم المفتوح وديمقراطية العلم معًا على تغيير طريقة إجراء البحث العلمى ومشاركته فهما يروجان لمزيد من الشفافية والتعاون والشمولية فى البحث العلمى، ويساعدان فى كسر الحواجز التى تحول دون الوصول والمشاركة.

ومع ذلك، فهناك أيضًا تحديات أمام تطبيق العلم المفتوح وديمقراطية العلم، بما فى ذلك القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية والتمويل والحاجة إلى التغيير الثقافى داخل المجتمع العلمى. إلا أن فوائد العلم المفتوح وديمقراطية العلم واضحة، ومن المرجح أن تستمر فى تشكيل مستقبل البحث العلمى والابتكار.

هذا ويناقش مقال حديث تم نشره فى 3 يونيو 2022 بمجلة «The »Scientist‬ تحت عنوان the ‪HELIOS، ‪Higher Education Leadership‬ ‪Initiative for Open Scholarship‬

وتعنى «مبادرة قيادة التعليم العالى للمنح الدراسية المفتوحة» ويطلق عليها «هيليوس» وتضم قادة وروادًا من أكثر من 75 كلية وجامعة أمريكية، وهى ملتزمة بتحفيز ممارسات العلوم المفتوحة من أجل جعل البحث أكثر «شمولية وشفافية وكفاءة». وتعتبر نهجًا مصممًا لإعادة توجيه آليات التقييم نحو ممارسات العلوم المفتوحة، بما فى ذلك «النشر فى المجلات المفتوحة، ونشر البيانات باستخدام مبادئ FAIR

والتى هى اختصار للكلمات: Flexible، ‪Achievable، Inclusive، Respectful‬

وتعنى يمكن العثور عليها، ويمكن الوصول إليها، وقابلة للتشغيل المتبادل، وقابلة لإعادة الاستخدام، ومشاركة مخرجات البحث الأخرى.

كما يناقش المقال نفسه كيف يعمل العلم المفتوح على إضفاء الطابع الديمقراطى على البحث العلمى ومواجهة الفردية التى تميز الكثير من التعليم العالى. فالعلم المفتوح هو «علم تعاونى» يتطلب مشاركة البيانات والشفرات والمنشورات لأى شخص للوصول إليها وإعادة استخدامها. كما يسمح للباحثين بالوصول إلى المجتمعات الأخرى التى ليست تقليديًا جزءًا من عملية البحث وإشراكها. ومع ذلك، ليس من الواضح العلاقة بين زيادة تقاسم المواد البحثية وما يسمى إضفاء الطابع الديمقراطى على العمل فى العلوم المفتوحة؟ وماذا يعنى التحول الديمقراطى والجماعى فى سياق ما تحاول «مبادرة هيليوس» تحقيقه؟!.

إن إضفاء الطابع الديمقراطى على البحث العلمى يعنى جعله أكثر سهولة وشمولية وتشجيع المزيد من المشاركة والتعاون بين الباحثين والمجتمعات من خلال كسر الحواجز التى تحول دون الوصول والمشاركة، وهنا يمكن للعلوم المفتوحة أن تساعد فى إضفاء الطابع الديمقراطى على البحث العلمى وجعله أكثر استجابة لاحتياجات واهتمامات المجتمعات المختلفة.

وتمثل مبادرة «هيليوس» خطوة مهمة نحو تعزيز إضفاء الطابع الديمقراطى على البحث العلمى فى التعليم العالى، من خلال تشجيع ممارسات المنح الدراسية المفتوحة وتشجيع المزيد من التعاون والشمول فى البحث العلمى، ومن خلال العمل من أجل مشروع علمى أكثر انفتاحًا وتعاونًا وديمقراطية، وأكثر استجابة لاحتياجات واهتمامات جميع المجتمعات وأن يساهم فى عالم أكثر عدلًا واستدامة للجميع.

ولأن مبادرة «هيليوس»، بكل المقاييس، هى مبادرة من أعلى إلى أسفل يقودها كبار الشخصيات فى جامعات الأبحاث المكثفة فى الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الارتباط العرضى بين العلم المفتوح والجماعة، يبدو أن «هيليوس» هى وسيلة لقادة الجامعات لإجبار الباحثين على إجراء تغيير ثقافى، لا شىء يقوده مجتمع البحث ككل. فى حين أن تغيير إرشادات الحيازة لإعطاء الأولوية للنشر فى المجلات المفتوحة الوصول، ومشاركة بيانات FAIR، وإصدار كود مفتوح قابل لإعادة الاستخدام قد يكون لها بعض النتائج الجيدة، إلا أنها لا تشكل أساسًا لحوكمة جماعية أكبر للعلوم. بدلاً من ذلك، ستوفر هذه التغييرات سببًا اقتصاديًا للباحثين لتبنى ممارسات العلوم المفتوحة، وهو سبب لا يزال يعتمد على التقدم الفردى داخل الأكاديمية. ومن الواضح أنه من المنطقى تحفيز السلوكيات الجيدة. لكن المشكلة هنا هى أن الحكم الديمقراطى الأكبر للعلم هو الطريقة التى يجب أن يتم بها التحفيز. لقد أصبح هذا الأمر أكثر أهمية لأن الافتقار إلى الحوكمة الجماعية فى التعليم العالى هو أحد أكبر المشكلات التى تواجه إنتاج المعرفة فى الوقت الحالى: إنه الشىء الذى يمكن أن يؤدى إلى ثقافات أكبر بكثير من البحث الأكاديمى، وبالتأكيد أكثر من تركيز «هيليوس» الضيق على العلم المفتوح. فالعلاقة بين «الانفتاح» والدمقرطة علاقة خاطئة، أو على الأقل لا توجد علاقة واضحة أو ضرورية بين الاثنين، فالعلم المفتوح يركز بشكل كبير على مخرجات البحث العلمى بدلًا من ثقافات كيفية إنتاجها. أو بالأحرى، يهتم العلم المفتوح بشكل أساسى بأنماط الإنتاج الفعالة والقابلة للتكرار، وليس الأنماط الأخلاقية أو الجماعية. قد يكون هذا الأخير بمثابة اعتبار لبعض رؤى العلم المفتوح، لكنها ليست السمة المميزة لها. وعندما يفرض صانعو السياسات وقادة الجامعات الانفتاح على موارد محددة، فإن الحكم الديمقراطى يتخلف عن الركب. هذا لأن هذا النوع من الانفتاح لا يتطلب مساءلة المجتمع من أجل تحقيقه، فقط شعور غامض وسامٍ بأن التخلى عن الموارد سيؤدى إلى نوع من الشمول لم يكن موجودًا فى السابق. هذا التركيز على الموارد هو ما يسمح للسوق والمشاريع الخاصة- التعبير النهائى بالانفراد- بالسيطرة على توفير الانفتاح على حساب حوكمة المجتمع.

فى مرحلة ما، سيتعين علينا العمل على كيفية ترك الانفتاح وراءنا وإعادة تجميع نظام أكثر أخلاقية لإنتاج المعرفة على أساس الحكم الذاتى الديمقراطى للجامعة نفسها!.

* أستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة

مساحة رأى

ar-eg

2023-03-27T07:00:00.0000000Z

2023-03-27T07:00:00.0000000Z

https://almasryalyoum.pressreader.com/article/282308209355499

Al Masry Al Youm