Al Masry Al Youm

«أبلة فضيله».. صوتٌ صنع طفولتَنا

مع بدايات البث التلفزيونى وانتقال «بابا شارو» للعمل به فى بداية الستينيات، اختارها لتحل محله فى تقديم برنامج إذاعى للأطفال، فكان ميلاد برنامجها الأشهر: «غنوة وحدوتة».

فاطمة ناعوت تكتب: ‪f. naoot@ hotmail. com‬

وداعًا للصوت الخالد، الذى كان أكسجين الصباح لجميع أطفال جيلى فى مصر والوطن العربى. كان صوتُها الدافئ ينسابُ إلى داخل أرواحنا وعقولنا مع نسمات الصبح، ننتظره بشغف، وتحرصُ أمهاتُنا عليه مثلنا لأنهن يدركن أن ذلك الصوت لا يحكى حدوتة مُسلّية تتبعها أغنيةٌ موحيةٌ وفقط، بل يمنحُ أطفالَهن درسًا تربويًّا وأخلاقيًّا، سوف يسهم فى العملية التربوية، ويترك أثره الطيبَ فى نفوس الصغار، على نحو أعمق من تعليمات الأبوين الحاسمة والنصائح المشددة. رحل قبل أيام أهذا الصوتُ العذبُ الذى صنع طفولتنا ورسّخ داخلنا العديد من القيم النبيلة التى اختصرت مع الأمهات والآباء طريق التربية الشاقّ الطويل. وداعًا «أبله فضيلة،» صاحبة أشهر برامج الأطفال الإذاعية «غنوة وحدوتة»، التى كتب كلمات أغنياتها عملاقُ الكلمة «صلاح جاهين»، ولحّن موسيقاها «سيد مكاوى»، ورددها أطفالُ جيلى. «يا ولاد يا ولاد/ تعالوا معانا/ عشان نسمع أبلة فضيلة/ راح تحكى لنا حكاية جميلة/ وتسلّينا وتهنّينا/ وتذيع لينا كمان أسامينا/ أبلة أبلة فضيلة». ثم يتبع ذلك صوتُها الآسرُ تستهلّ به الحدوتة قائلة: «حبايبى الحلوين.»

الإعلامية الكبيرة «فضيلة توفيق عبدالعزيز»، التى رفضت أن تمنح نفسها لقب «ماما»، على عادة ما يفعل مقدمو برامج الأطفال؛ إذ كانت ترى أن الأبَ والأمَّ مفردان فريدان، لا ينال مكانيهما أحدٌ، وفضّلت أن تكون «الأخت الكبرى»، التى تحكى الحواديت لأشقائها الصغار، فيُقال لها: «أبله»؛ وهى كلمة تركية توارثناها نحن المصريين وتعنى: «المعلمة»، أو «الأخت الكبرى». وُلِدت فى ٤ إبريل ١٩2٩، لأب مصرى وأم تركية، هى الشقيقة الكبرى للفنانة الجميلة «محسنة توفيق»، وعاشت طفولتها فى شارع الملكة نازلى، رمسيس حاليًّا، وتلّقت علومها فى «مدرسة الأميرة فريال»، وجاورتها على مقاعد الدرس الطفلة التى سوف تغدو مع الأيام سيدة الشاشة «فاتن حمامة». نشأ شغفُها بالقصص منذ طفولتها حين كانت والدتها تجمعها مع أشقائها لتحكى لهم الحواديت الفلكلورية، وكذلك كان يفعل جدها. التحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وبعد تخرجها عملت فى مكتب محاماة. وفى يومها الأول بالعمل غلبها شغفُها بالقيم وروح السلام، فحاولت الصلح بين الخصوم فى إحدى القضايا التى وردت للمكتب، فقال لها مديرها إن مهنة المحاماة تعتمد على الخلافات، وإنها بهذا لا تصلح للعمل بتلك المهنة. وقدمت أوراقها للإذاعة، وتم تعيينها مذيعةً لنشرة الأخبار، وتدربت على يد الإذاعى الكبير «حسنى الحديدى»، أحد أشهر مذيعى نشرة الأخبار بالإذاعة المصرية. وكانت نقطة التحول فى حياتها حين التقت بالإذاعى «محمد محمود شعبان»، الشهير ب«بابا شارو»، الذى كان يقدم برنامجًا شهيرًا للأطفال حتى منتصف الخمسينيات، وأخبرته عن حلمها بتقديم برنامج للأطفال مثله. ومع بدايات البث التلفزيونى وانتقال «بابا شارو» للعمل به فى بداية الستينيات، اختارها لتحل محله فى تقديم برنامج إذاعى للأطفال، فكان ميلاد برنامجها الأشهر: «غنوة وحدوتة.» وكانت الأسرة المصرية والعربية تنتظر بشغف هذا البرنامج التربوى التثقيفى الترفيهى اليومى، الذى استضافت فيه أسماء بارزة ورموزًا مصرية خالدة مثل: العالم «فاروق الباز»، الأديب «نجيب محفوظ،» الموسيقار «محمد عبد الوهاب»، الكاتب «أنيس منصور»، الشاعر «كامل الشناوى»، الموسيقار «سيد مكاوى»، الفنان «عبدالحليم حافظ»، والدكتور «يحيى الرخاوى»، وغيرهم، ومن خلال البرنامج والأغنيات قدمت مجموعة من الأطفال الموهوبين الذين صاروا نجومًا فى دنيا الغناء مثل: «هانى شاكر»، «مدحت صالح»، «صفاء أبوالسعود.» تولت مناصبَ رفيعةً ومهامّ دقيقة خلال مشوارها الإذاعى، منها: مراقبة برامج الأطفال خلال الستينيات الماضية، ثم مديرًا عامًّا لبرامج الأطفال فى السبعينيات، ثم نائبًا لرئيس الشبكة التجارية فى الثمانينيات، وقدمت على مدار مشوارها الإذاعى عدة برامج إذاعية منها: «س، وج،» «مستقبلى»، ولكن يظلُّ «غنوة وحدوتة» درّة عقدها الأشهر. ومن أشهر الحواديت والحكايا التى مازلتُ أذكرها لا تبرح ذاكرتى: «الفلاح الفقير»، «الأرنب الطماع»، «بنت الفلاحة»، «الكتكوت الصغير»، «أرنب وتعلب»، «المقشة الصغيرة»، «أبيض وأسود»، «شغل بابا»، «كراسة الرسم»، «القطة مشمشة»، «ياللا نسمع كلام ماما»، «كوب اللبن،» وغيرها مما هو عصىٌّ على الحصر، والنسيان.

حصدت أبلة فضيلة العديد من الأوسمة والتكريمات باعتبارها صاحبة إحدى أجمل وأخلد وأشهر الرسالات التربوية المسموعة فى عالم الطفولة، منها : «وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية ،» وشهادات تقدير من الاتحاد السوفيتى، ونقابة الصحفيين المصريين، والمركز الكاثوليكى للسينما. كما اختيرت «الأم المثالية للإعلاميين»، وضيفة الشرف فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 20١٦. تزوجت «أبلة فضيلة» من كبير مهندسى الإذاعة المصرية «إبراهيم أبوسريع»، وأنجبت ابنتهما الوحيدة «ريم»، التى عاشت معها سنواتها الأخيرة فى كندا، حتى رحلت عن عالمنا قبل أيام، لنردد معها: «توتة توتة، حلوة جدًّا كانت الحدوتة.»

مساحة رأى

ar-eg

2023-03-27T07:00:00.0000000Z

2023-03-27T07:00:00.0000000Z

https://almasryalyoum.pressreader.com/article/282316799290091

Al Masry Al Youm