Al Masry Al Youm

ديمقراطية المستقبل

إن مقارنة الاتحاد الأوروبى بالمنظمات الإقليمية التى نعرفها، مثل منظمة الوحدة الإفريقية أو جامعة الدول العربية، فيها ظلم كبير للطرفين لأن الاتحاد الأوروبى يسبق بقرون بقدر الديمقراطية المطبقة على آلية العمل والدول الديمقراطية الأعضاء فيه.

د. محمود العلايلى يكتب:

خلال اجتماعات تجمع الأحزاب الليبرالية فى البرلمان الأوروبى، فى ستوكهولم، الأسبوع الماضى، دارت العديد من النقاشات حول منظومة الأمن فى أوروبا، وحول الحرب الروسية الأوكرانية، وحول المسائل المتعلقة بموجات الهجرة المتزايدة إلى أوروبا، والحقيقة أن اللافت فى كل تلك الملفات ليس القرارات أو المخرجات النهائية بقدر شكل النقاش وآلية اتخاذ القرار فيما يُعرف لدى هذا العالم المتحضر باسم «الديمقراطية».

والحقيقة أن منظومة الأمن فى أوروبا هذه الأيام

صارت لا تنفصل عن مسألة الحرب الدائرة، حتى لو تم تناولهما فى جلسات منفصلة، إلا أن الحرب تظل الحدث الذى يؤخذ منه الدرس والخبرة، كما يظل المصدر العملى للاستناد والتدليل على الرأى والرأى الآخر، ومن الأمور الشكلية التى لم يمكننى تجاوزها لما تحمل من معانٍ، الحلقة النقاشية حول أمن أوروبا، وكان المتحدثون فيها نائبة رئيس وزراء أوكرانيا، ووزيرة الدفاع الهولندية، ووزيرة الدفاع الليتوانية، بالإضافة إلى رئيسة لجنة الدفاع والأمن بالبرلمان الألمانى )البوندستاج(، وهو مظهر لا يمكن

إغفاله ودلالة على عمق الديمقراطية ورسوخ الحياة الحزبية، التى تتعامل مع أمور الدول بشكل سياسى فى المقام الأول، والذى لا يبدو فيه أى تقسيم جندرى بكل تأكيد.

أما موضوع الهجرة فلم يكن بالشأن الذى من الممكن أن تسمع فيه تلك المانشيتات المحفوظة عن الهجرة والمهاجرين، ولكن سارت المناقشات بشكل واضح وشفاف من كافة الجوانب عن الأسباب التى تدعو إلى الهجرة، ودور دول المنبع ودول العبور والدول التى تكون فيها الوجهة النهائية، وقد كنت مشاركًا فى

إحدى هذه الحلقات مع أعضاء البرلمان الأوروبى، وتم فتح بعض المسكوت عنه فيما يتعلق بصعوبات إدماج المهاجرين بسبب غلبة العادات والتقاليد الموروثة وصعوبة تأقلمهم مع الواقع الجديد، وخصوصًا القوانين المنظمة للحياة، بالإضافة إلى طبيعة الحياة الاجتماعية الجديدة، التى يعتبرها العديد من المهاجرين قيمًا مقحمة على ثقافتهم يجدون لديهم صعوبة فى التأقلم معها، أما النقاط التى كانت جديرة بالفهم والاهتمام فى هذا المجال فهى كيف يمكن تحويل مسألة الهجرة إلى خطوة إيجابية فى العديد من الأحوال، وخاصة ما يتعلق بتصدير بعض تخصصات أصحاب الياقات الزرقاء للعديد من الدول التى لديها عجز فى هذا المجال، وصار من الصعب استيفاؤه من أوروبا الشرقية، بل تطرق النقاش إلى كيفية تطوير تلك الفكرة والعمل على الاستفادة منها.

إن نموذج الاتحاد الأوروبى وبرلمانه هو أهم منظمة إقليمية فى العالم، على الرغم من عدد دوله السبع والعشرين، التى تتحدث أربعًا وعشرين لغة، ولكن الذى يعطى هذا الاتحاد وبرلمانه القدرة على التحرك والإنجاز أن كل الآليات السياسية والتنظيمية تدور فى إطار منضبط من الديمقراطية والالتزام

بالقواعد والقوانين المنظمة، دون الحاجة إلى اللجوء لأى استثناء أو الخروج عن الأعراف الدبلوماسية، مما أعطى لتلك المنظمة الإقليمية قدرات تنفيذية وإمكانات قانونية تسرى على جميع الدول المنضوية تحت عَلَم الاتحاد الأوروبى، دون تفضيل دولة كبرى عن مثيلاتها الأقل حجمًا وعددًا وثروة، ليظل الفارق الوحيد هو تفاوت الالتزامات المادية بحسب القدرات المادية للدول الأعضاء.

إن مقارنة الاتحاد الأوروبى بالمنظمات الإقليمية التى نعرفها، مثل منظمة الوحدة الإفريقية أو جامعة الدول العربية، فيها ظلم كبير للطرفين لأن الاتحاد الأوروبى يسبق بقرون بقدر الديمقراطية المطبقة على آلية العمل والدول الديمقراطية الأعضاء فيه، مما يضفى على القرارات صيغًا تنفيذية ملزمة بحكم الاتفاقية التى أُنشئ على أساسها، ومما يُخرجه من نطاق المنظمات الشكلية، التى لا تزيد مخرجاتها عن بيانات الرفض والشجب أو الإطراء والموافقة، وفى هذا الإطار وجدت أحد الأصدقاء يعلق على حديث سابق لى، قائلًا: أراك قلقًا على مستقبل الديمقراطية فى المنطقة، والحقيقة رددت بالنكتة الدارجة: لست قلقًا ، «مافيش مستقبل ولا حاجة .!»

مساحة رأى

ar-eg

2023-06-03T07:00:00.0000000Z

2023-06-03T07:00:00.0000000Z

https://almasryalyoum.pressreader.com/article/282175065503841

Al Masry Al Youm